هل لتقنية البلوكتشين قيمة في التمويل الإسلامي؟

سامي السويلم

20 Jul, 2022

“تقنية البلوكتشين ستغير كل شيء”: تردد هذا الادعاء عدة مرات خلال السنوات العديدة الماضية بأشكال مختلفة ولكننا مازال الجميع ينتظر رؤية هذا التغيير.

يرى المشككون، مثل جيسي فريدريك أن البلوكتشين هو حل للبحث عن مشكلة. فلم تثبت التكنولوجيا نفسها بعد ولم تفي بالوعود الكبيرة التي قدمتها للجمهور: فباستثناء عملة البيتكوين عالية المضاربة، ينتقد المتشككون عدم رؤية أي منتج ملموس حتى الآن.

من المفيد دائما الاحتفاظ بهامش شك معقول، خاصة في ما يتعلق بالتقنيات أو المنتجات الجديدة. وهذه ليست مقاربة منغلقة على نفسها، بل على العكس: تستغرق التقنيات الجديدة وقتا لإثبات نفسها وبدون حوافز قوية ومثابرة شديدة قد تفشل وتختفي.

إذن، ما هو نوع المشكلات التي يمكن أن تساعد تقنية البلوكتشين في حلها؟

الذين يعملون في التمويل الإسلامي يعرفون الكثير من التحديات: كيف يمكننا بناء مشاركة فعالة؟ كيف يمكن التغلب على الخطر الأخلاقي؟ كيف نحث المدينين على الدفع في الوقت المحدد؟

هناك مشككون في التمويل الإسلامي أيضا، ومنهجهم المقترح هو ببساطة اتباع النموذج التقليدي مع الحد الأدنى من اللمسات “التجميلية”.

يشير هذا إلى أنه إذا كانت تقنية البلوكتشين حلا يبحث عن مشكلة، فقد ينظر إلى التمويل الإسلامي الحقيقي الذي يعكس مبادئه المعنوية و قيمه الأخلاقية على أنه “مشكلة” تبحث عن حل.

***

وعموما إذا ما حاولنا وببساطة تطبيق تقنية البلوكتشين على المنتجات المالية الإسلامية الشائعة، فسننتهي على الأرجح بإضافة طبقة أخرى إلى الهياكل الحالية.

ليس من الواضح كيف سيكون ذلك مفيدا، خاصة إذا كانت هذه الهياكل معقدة بسبب السلع الزائدة عن الحاجة والوثائق القانونية الكثيرة وعليه فقد يصبح الهيكل الناتج مكلفا للغاية وغير عملي بالمرة.

فعلى سبيل المثال، سيضيف ترميز الصكوك القائمة بالفعل على هياكل معقدة للغاية طبقة واحدة أو أكثر من التعقيد.

إن استخدام العقود الذكية لـ “المشتقات الإسلامية” ، كما اقترح ذلك التقرير الأخير للبنك الدولي، لن يقلل من التعقيد القانوني لهذه المشتقات. بل إنه قد يضاعفه. فتقنية البلوكتشين ليست مجرد أداة بل هي طريقة في التفكير وتحليل المشكلات والبحث عن الحلول.

ولذا، فقبل أن نحاول تطبيق البلوكتشين أو العقود الذكية في منتجاتنا، علينا أن نسأل أنفسنا: ما هي القيمة التي تضيفها هذه التكنولوجيا للمنتفعين بها؟

التقنيات الجديدة لا تخلو من التكاليف فلا شيء يوهب مجانا، كما يقول الاقتصاديون.

وفي حين أنه من الجيد الانفتاح على جميع الاحتمالات فإنه يجب أن نكون انتقائيين للغاية ومبدعين عندما يتعلق الأمر بتطبيق هذه التقنيات في عملياتنا التجارية.

تميل التقنيات الجيدة إلى الكشف عن أوجه القصور في الهياكل القائمة. وإذا تمت إزالة أوجه القصور هذه، فإن القيمة الأساسية الحقيقية للمنتجات ستصبح أكثر وضوحا ويكون التأثير أكثر قابلية للقياس.

وسيكون هذا أمرا جيدا إذا كان عرض القيمة للمنتج مفيدا للمجتمع. لكن قد لا يكون هذا هو الحال دائما.

***

ففي سبتمبر 2019 ، نشرت صحيفة بوسطن ريفيو مقالا بعنوان “الديون الدائمة في السليكون سافانا” بقلم كيفين ب. دونوفان وإيما بارك.

يقدم المقال تحليلا عميقا للإقراض الرقمي الصغير في كينيا. حيث تمت الإشادة بكينيا لكونها رائدة في تبني التقنيات الرقمية لأنظمة الدفع والمنتجات المالية إذ يعتبره الكثيرون المركز التكنولوجي لشرق إفريقيا أين تتطور الصناعة المالية الرقمية بمعايير عديدة متقدمة جدا وتنمو بمعدلات ملحوظة.

كانت الصناعة قادرة على الوصول إلى شريحة كبيرة من العملاء غير المؤهلين للتمويل. وباستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، تمكنوا من تحديد “ضمانات السمعة” للمقترضين الذين ليس لديهم ضمانات ملموسة وبالتالي لا يمكنهم الوصول إلى التمويل من خلال القنوات التقليدية. هذه حلول مبتكرة جيدة. لكن ماذا كانت نتيجة هذه الابتكارات؟

لسوء الحظ، لم تجعل هذه الابتكارات المجتمع في وضع أفضل. وبدلا عن ذلك، أسقطت المقترضين في شرك دورات الديون الدائمة. يتم دفع الناس إلى دارات من رأس المال المالي التي لا تقوم – كما هو الحال مع التسويق – على التمكين، ولكن على ربحية الديون الدائمة. إنها التمويلية من خلال الرقمنة.

تدفع هذه التطورات إلى التساؤل: ما هو دور التكنولوجيا في التمويل؟ هل هي تسهل وصول المجتمع إلى التمويل؟ أم أنها تسهل الوصول إلى الأسواق؟ هذان نموذجان مختلفان للغاية.

في نظام الإقراض القائم على الفائدة، تسمح التكنولوجيا للمقترضين بالوصول إلى التمويل، ولكن ليس بالضرورة إلى الأسواق. حيث يميل المقرضون المهتمون بتعظيم عائداتهم إلى تفضيل دورات الديون المستمرة التي تجلب لهم دفقا ثابتا ومتزايدا من دخل الفوائد. ولذلك هم غير مهتمون بتمكين المقترضين لأن هذا يعني أنهم سيخرجون من دائرة الديون المفرغة.

في المقابل، يهدف التمويل الإسلامي إلى مساعدة المستفيدين في الوصول إلى الأسواق. فالوصول إلى السوق هي الخطوة الأولى على طريق التمكين. فليس من المفترض أن تحصل المؤسسات المالية الإسلامية على دخل من مصائد الديون بل بدلا عن ذلك فهي تدر دخلا من خلال تقاسم الثروة التي أنشأها عملاؤها في الاقتصاد الحقيقي.

ومن ثم، تجعل التكنولوجيا الهدف النهائي للنظام المالي واضحا تماما. و هو ما يعني وجوب العودة إلى الأساسيات لطرح السؤال الأساسي: ما هي القيمة التي يقترحها نموذجنا المالي؟ وما هي الأهداف النهائية التي تهدف إلى تحقيقها؟

وعليه فلا يجب، أثناء احتضان التقنيات الجديدة نسيان النموذج الأساسي فمبادئ التمويل الإسلامي خالدة وعالمية وهي تتجاوز الأدوات والتقنيات واتباع هذه المبادئ يوجه تطبيق التقنيات الجديدة نحو تحسين رفاهية المجتمع وازدهاره.

* هذه نسخة محدثة من خطاب ألقاه المؤلف في مؤتمر التمويل الإسلامي الخامس الذي نظمته جامعة عفت، جدة ، المملكة العربية السعودية، ديسمبر 2019.

ترجمة: د. محمود بكري


المدونون
COVID-19
تحديات استدامة الديون في الدول الأعضاء بالبنك الإسلامي للتنمية وسط تشديد شروط التمويل العالمية

COVID-19
الأزمة المصرفية الأمريكية ومخاطر العدوى العالمية

COVID-19
الحافز المنحرف: تلك الكوبرا التي تلدغ التنمية

COVID-19
توطيد بريكس يحدث تحولا في المشهد الاقتصادي والتنموي العالمي

COVID-19
تأثير الأزمات العالمية على الفقر: القياس والاتجاهات والتحديات

Check More Blogs From Sami Al-Suwailem

09 May, 2023 -Economics and Finance
Sami Al-Suwailem | مقال بالعربي
تغيير نموذج النظام المالي العالمي

"لا يمكننا تحمل استمرار التعثر من أزمة إلى أخرى" - أنجيلا ميركل (2009م) عنوان هذا المقال هو عنوان خطاب ألقاه في...

قراءة المزيد
05 Apr, 2023 -COVID-19
Sami Al-Suwailem | English Article
A Paradigm Change for the Global Financial System

We cannot afford to keep stumbling from one crisis to the next -- Angela Merkel (2009) The title of this...

Read
18 Jan, 2023 -
Sami Al-Suwailem | English Article
التضخم: كلب الحراسة الذي لم ينبح!

 المحقق غريغوري: هل هناك أي نقطة أخرى تود أن تلفت انتباهي إليها؟  شرلوك هولمز: الحادثة الغريبة للكلب في الليل.  المحقق غريغوري: الكلب...

Read