مقدمة
على الرغم من أن الفقر يقاس عموما باستخدام أساس نقدي، فإن من المسلم به على نطاق واسع أن الفقر يتسم بأبعاد متعددة تتجاوز فقر الدخل. وتقارن هذه المدونة بين المقاييس المتعددة الأبعاد للفقر، في ظل حقيقة مفادها أن بعض المكاسب التي تحققت في القضاء على الفقر في العقود السابقة قد تبددت بسبب جائحة كوفيد-19 وغيرها من الصدمات العكسية التي تعرض لها الاقتصاد العالمي. وفي حين أن الوصول إلى أحدث بيانات الفقر لا يزال يمثل تحديا، تؤكد الأدلة أن جنوب الصحراء الأفريقية وجنوب آسيا تضمان أكبر عدد من الفقراء، وأن مستويات الفقر في الأرياف وبين الأطفال أعلى في هذه المناطق من المتوسط، كما أن المساعي قد توقفت عن إحراز أي تقدم في معالجة فقر التعلم في هذه المناطق بسبب جائحة كوفيد-19.
مؤشر الفقر متعدد الأبعاد (MPI)
يرصد مؤشر MPI الذي طورته OPHI وUNDPالفقر عبر أبعاد ثلاثة، هي: (الصحة والتعليم ومستويات المعيشة)، ويتألف من 10 مؤشرات، هي: (التغذية ووفيات الأطفال وسنوات الدراسة والالتحاق بالمدارس ووقود الطبخ والصرف الصحي ومياه الشرب والكهرباء والإسكان والأصول) (الشكل 1). وتصف هذه المؤشرات الفقر من حيث أشكال الحرمان المتعددة، ويتم نشر مؤشر MPI العالمي بشكل سنوي لتقييم مدى انتشار الفقر في جميع أنحاء العالم.
الشكل 1: أبعاد ومؤشرات MPI العالمية
يقيّم مؤشر MPI الفقر على المستوى الفردي، حيث يُعرَّف الشخص بأنه فقير عندما يكون محروما من ثلث المؤشرات (المرجحة بأوزانها) على الأقل. ويقدم مؤشر MPI أيضا معلومات عن مدى وشدة الفقر باستخدام النسبة المئوية للحرمان الذي يعاني منه الفقراء.
إن الفقر متعدد الأوجه ولا يمكن قياسه استنادا الى الفقر النقدي فقط. وعلاوة على ذلك، فليس هناك ارتباط بالضرورة بين فقر الدخل وأبعاد الفقر الأخرى. ويوضح الشكل 2 أنه في البلدان التي تتوفر عنها بيانات الفقر متعدد الأبعاد والفقر المدقع والفقر النقدي، فإن كل نقطة بيانات ترسم صورا مختلفة؛ حيث إن مقياس (1.90 دولار أمريكي يوميا) لا يتطابق على الدوام مع مقياس الفقر متعدد الأبعاد.
الشكل 2: الفقر متعدد الأبعاد مقابل الفقر النقدي
يتم حساب مؤشر MPI العالمي لعام 2022م باستخدام البيانات الجزئية من الدراسات الاستقصائية للأسر عبر 111 دولة تشمل 6.1 مليار شخص. وتتمثل إحدى التحديات الرئيسة لتقديرات الفقر العالمية في أن بيانات المسح لا يتم جمعها على فترات منتظمة، وأن معظم الاستطلاعات تعكس تجارب ما قبل كوفيد-19. ونظرا لأن صدمة كوفيد-19 غيرت المسارات، فإن من الضروري تعديل التقديرات وتحديثها لتعكس حالة الفقر بعد كوفيد-19. وعلى الرغم من غياب أحدث البيانات الجزئية، تكشف عمليات المحاكاة على البيانات الحالية أن كوفيد-19 ربما يكون قد أحرز تقدما في انحسار MPI بمقدار 3 إلى 10 سنوات.
وفيما يلي النتائج الرئيسة لتقرير MPI العالمي لعام 2022م:
مقياس الفقر متعدد الأبعاد (MPM)
على خطى مؤشر MPI وعلى نهجه، أضاف البنك الدولي في تقديراته للفقر النقدي معايير تتعلق بمؤشرات التعليم والوصول إلى البنية التحتية الأساسية، ونتج عن ذلك مقياس الفقر متعدد الأبعاد(MPM). ويوضح الشكل 3 أبعاد ومؤشرات MPM الصادرة عن البنك الدولي.
الشكل 3: أبعاد ومؤشرات MPM العالمية
ويستخدم مؤشر MPM بشكل أساسي بيانات المسوحات الأسرية المنسقة في قاعدة بيانات المراقبة العالمية. ووفقا لذلك، يعتبر مؤشر البنك الدولي MPM أسرة ما فقيرة متعددة الأبعاد إذا كانت محرومة من المؤشرات التي يصل مجموع أوزانها إلى الثلث أو أكثر.
وفيما يلي النتائج الرئيسة لتقرير MPM لعام 2022م:
فقر التعلم على الصعيد العالمي
يقيس مؤشر فقر التعلم الصادر عن معهد اليونسكو للإحصاء والبنك الدولي قدرةَ الطفل بعمر العاشرة على قراءة نص بسيط وفهمه. ويجمع المقياس بين مؤشري الالتحاق بالمدارس والتعلم، ويقدر نسبة الأطفال الذين لم يحققوا الحد الأدنى من إجادة القراءة (كما تم قياسها في المدارس) ويعدلها باعتبار نسبة الأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة (مفترضاً أنهم غير قادرين على القراءة بكفاءة).
وفي عام 2019م، بلغ معدل فقر التعلم على الصعيد العالمي 57٪ في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى 70٪ في عام 2022م بسبب تأثير كوفيد-19 على الالتحاق بالمدارس نتيجة إغلاقها والتحول المفاجئ إلى التعلم عبر الإنترنت. وتشير محاكاة فقر التعلم إلى أنه بحلول عام 2022م يمكن أن تصل معدلات فقر التعلم إلى حوالي 90٪ في جنوب صحراء أفريقيا و79٪ في أمريكا اللاتينية و78٪ في جنوب آسيا و70٪ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحوالي 45٪ في شرق آسيا والمحيط الهادئ و14٪ في أوروبا وآسيا الوسطى (الشكل 4).
الشكل 4: (معدلات فقر التعلم العالمية حسب المنطقة بالنسبة المئوية 2022م)
وتشير التوقعات المحبطة بشأن التعليم والتعلم إلى الحاجة الماسة لتسريع التدخل المستهدف لتحسين الالتحاق بالمدارس في أعقاب ما بعد الجائحة، بالإضافة إلى جودة التعليم الذي يتلقاه الأطفال والشباب في جميع المستويات التعليمية؛ إذ إن عدم معالجة الأمر قد يؤدي بالعالم إلى مواجهة كارثة في رأس المال البشري تفضي إلى انخفاض الإنتاجية وتباطؤ النمو الاقتصادي في السنوات القادمة.
الخاتمة
يعد تحديد تعريف الفقر وقياسه في جميع أنحاء العالم تحديا إنمائيا دوليا كبيرا. فبدون بيانات موثوقة وحينية، لا يمكن للسياسات القائمة على الأدلة أن تستهدف العقبات الرئيسة في القضاء على الفقر. وعلى الرغم من تحديات الحصول على البيانات، فقد قدمت المنظمات الدولية (مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واليونسكو والبنك الدولي) ومراكز البحوث (مثل OPHI) قياسات جديدة للفقر بأبعاد متعددة. وتهدف المقاييس (MPIوMPM وفقر التعلم) إلى قراءة الواقع من خلال استنباط مقاييس غير نقدية للفقر.
ونظراً لآثار جائحة كوفيد-19 والصدمات اللاحقة التي تكبدها الاقتصاد العالمي، فإن معدلات الفقر في جميع أنحاء العالم آخذة في الارتفاع. وهذا ما يجعل تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة أشد صعوبة، حيث تتراجع التدخلات المتعلقة بالفقر بسبب منافسة النفقات الوطنية الأخرى لها على الموارد المخصصة.
وتتطلب معالجة الفقر والقضاء عليه التزاما طويل الأمد من مختلف شرائح المجتمع، وينبغي على الحكومات والمنظمات الدولية والجامعات ومراكز البحوث والقطاع الخاص إنشاء شراكات قوية والعمل معا لمواجهة تحديات الفقر الملحة.
وباستخدام مقاييس للفقر متعددة الأبعاد، تتطلب التدخلات ذات الصلة أن تكون متعددة الأبعاد أيضا. وللقضاء على الفقر وتحقيق النمو الشامل، يجب تحسين الوصول إلى التعليم والصحة والخدمات الأساسية مثل مياه الشرب والصرف الصحي والمأوى؛ إذ إن هذه التدخلات لا تهدف إلى تحسين المعيشة للجيل الحالي من الفقراء فحسب، بل للأجيال المقبلة أيضا.
ولقياس ومقارنة الفقر على المستوى العالمي، تعتمد المقاييس (مثل MPI وMPM وفقر التعلم) على البيانات القديمة لمؤشرات مماثلة على مستوى الدولة. وعلى الرغم من أن تلك البيانات مفيدة في تكوين فهم جيد لمقارنات الفقر على المستوى القطري في جميع أنحاء العالم، إلا أنها تعاني من أوجه قصور فيما يتعلق بتوفير أساس مبني على الأدلة من أجل التدخلات المستهدفة في الوقت المناسب، وقد ثبت ذلك خلال الأزمات الأخيرة.
ولكي تنجح التدخلات المستهدفة وتعالج مطالب الفقراء بشكل أفضل، ينبغي في هذا الصدد مراجعة المقاييس بغية الوصول إلى المزيد من البيانات على المستوى الجزئي عبر استخدام مصادر غير تقليدية على مستوى المقاطعات والمدن والأحياء في الدولة.
ومن أجل التطوير المستمر لمقاييس الفقر المتعددة الأبعاد، فإنه من الضروري تعزيز الشراكات بين مختلف أصحاب المصلحة. وعلى سبيل المثال، أسفرت الشراكة بين مجموعة البنك الإسلامي للتنمية (IsDBG) والشراكة العالمية لبيانات التنمية المستدامة (GPSDD) عن الاستفادة من صور الأقمار الصناعية لتوفير البيانات الحينية لحماية البيئة والإنتاجية الزراعية.
إن هذه الأشكال من الشراكات مطلوبة لتوفير الوقت والتكلفة من أجل الحصول على بيانات موثوقة ودقيقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تكتل الخبرات في مثل هذه الشراكات يتيح أوجه تآزر فعالة لمعالجة المشاكل الأكثر أهمية في العالم اليوم.
ترجمة: د. محمود بكري
مقدمة منذ بداية الألفية الجديدة هزت الاقتصاد العالمي والنظام المالي الدولي أزمات متعددة، ابتداءً من انفجار فقاعة الإنترنت المالية في...
قراءة المزيدIntroduction The global economy and the international financial system have been rattled by crises of varying sources since the start...
ReadIntroduction While poverty is generally measured using a monetary basis, it is widely acknowledged that poverty is characterized by multiple...
Read