ترشيد استهلاك الطاقة في المملكة العربية السعودية: نحو اقتصاد أخضر موفر للطاقة

بخاري سيلا, أبو كمارا

06 Nov, 2023

مقدمة
أفادت مقالة في صحيفة بلومبيرج بتاريخ 28 أغسطس 2023م أن مقدار الدعم الحكومي للطاقة في المملكة العربية السعودية يبلغ 7000 دولار أمريكي للفرد الواحد، وهو الأعلى بين اقتصادات مجموعة العشرين.

وانطلاقا من الحاجة إلى تقديم الصورة الصحيحة ضمن السياق العام عن الدعم الحكومي للطاقة في المملكة العربية السعودية، ستتناول هذه المدونة مسألة الدعم الحكومي بشكل أكثر شمولا وتسعى إلى أن تستكشف بعض المبادرات الرئيسة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية بغية ترشيد استهلاك الطاقة سعيا نحو اقتصاد مستدام وموفر للطاقة.


الجدول 1: توليد الطاقة المتجددة (تيراواط/ساعة)
الدولة201720182019202020212022
الكويت0.050.060.060.060.210.21
سلطنة عمان0.020.020.030.320.961.58
دولة قطر0.140.140.130.140.140.54
المملكة العربية السعودية0.070.160.210.210.840.84
الإمارات العربية المتحدة0.751.203.665.196.256.96
المصدر: المراجعة الإحصائية لمعهد الطاقة للطاقة العالمية، 6 سبتمبر 2023م

الدعم الحكومي للطاقة ضمن السياق العام في المملكة العربية السعودية

شرعت المملكة العربية السعودية في تنفيذ أجندة تحويلية طموحة منذ عام 2017م بغية تنويع مصادر نموها والتوقف تدريجيا عن الاعتماد على النفط، وتعد شركة (ترشيد) إحدى المبادرات المنوط بها توجيه النمو الأخضر الموفر للطاقة والمساهمة في التنمية المستدامة. وقد بدأت الطاقة النظيفة والمتجددة تحتل مكانة بارزة في أجندة التنمية في البلاد، كما بدأت جهود المملكة العربية السعودية لتحقيق هذه الغاية تؤتي ثمارها. ويتجلى ذلك في زيادة توليد الطاقة المتجددة من 0.07 تيراواط/ساعة في عام 2017م إلى 0.16 تيراواط/ساعة في عام 2018م (الجدول 1)، علاوة على انخفاض نصيب الفرد من استهلاك الطاقة.

وتتمتع البلاد بإمكانات هائلة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي يمكن أن تسرع إنتاج مصادر الطاقة المتجددة، وفي عام 2022م بلغ إنتاج المملكة للطاقة المتجددة 0.84 تيراواط/ساعة. وبالمقارنة بغيرها من الدول، فإن إنتاجها أعلى من قطر (0.54 تيراواط/ساعة)، والكويت (0.21 تيراواط/ساعة)؛ ولكنه أقل من عمان (1.58 تيراواط/ساعة) والإمارات العربية المتحدة (6.96 تيراواط/ساعة).

وقبل إنشاء شركة ترشيد أنشأ مجلس الوزراء السعودي في عام 2010م “مركز كفاءة الطاقة” في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وقد كُلّف المركز بتطوير سياسات كفاءة الطاقة والحفاظ عليها مستهدفة كافة القطاعات، وأدت هذه المبادرات إلى تحسين الحد الأدنى من معايير أداء الطاقة واستهلاكها في المملكة. وعلى سبيل المثال، انخفضت في الفترة من 2012م إلى 2020م مستويات كثافة الطاقة في الصناعة بنحو 4%، كما انخفض استهلاك إنارة المنازل والشوارع بنسبة 80%، في حين تحسن الاقتصاد في استهلاك الوقود في قطاع النقل بنسبة 16%. وعلاوة على ذلك، قدم البرنامج بطاقات كفاءة استخدام الطاقة للمركبات الخفيفة في عام 2014م التي تم تحديثها في عام 2018م لتشمل السيارات الكهربائية.

وتستهدف المملكة تحقيق نسبة لا تقل عن 30% من السيارات الكهربائية في الرياض بحلول عام 2030م، وإنتاج وتصدير 150 ألف سيارة كهربائية سنويا بالشراكة مع شركة لوسيد المصنِّعة للسيارات الكهربائية. وقد ساهمت كذلك مدينة نيوم السعودية في تحفيز التوجه نحو الطاقة المتجددة ومستقبل أشد اخضرارا، فهي المدينة التي يتوقع أن تتوًّج إنجازاتها بإنشاء شركة نيوم للهيدروجين، التي تدمج 4 جيجاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البرية لتوليد ما يصل إلى 600 طن من الهيدروجين الأخضر يوميا. وعليه، فإن ترشيد استهلاك الطاقة والتوجه نحو اقتصاد موفر للطاقة كان لهما بالغ الأثر على دعم الوقود في المملكة العربية السعودية.


المنظور الشامل لدعم الطاقة

يشتمل الدعم الحكومي للطاقة على دعم ضمني ودعم صريح. أما الدعم الضمني فيتمثل في الرسوم التي تُفرض على الأضرار البيئية الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وتلوث الهواء المحلي وعوادم المركبات، وفي المقابل فإن الدعم الصريح يتمثل في تكلفة الفرصة البديلة لبيع الوقود بأقل من تكلفة العرض. وتعرَّف تكلفة العرض لدى الدول المصدرة للوقود بأنها سعر التصدير، في حين تعرَّف لدى الدول المستوردة للوقود بأنها سعر الاستيراد. وعلى الرغم من أهمية هذه المنهجية لحساب الدعم الحكومي عند إجراء المقارنات على المستوى الدولي، إلا أنها تفشل في مراعاة الفروق الدقيقة الخاصة بكل دولة على هذا النحو، ولذلك ينبغي وضعها ضمن سياقها العام.

وفي حين اتجه دعم الوقود الصريح نحو الانخفاض، ظل دعم الوقود الضمني دون تغيير تقريبا بين عامي 2017م و2020م. وقد تعطل الاتجاه التنازلي بسبب ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الطاقة منذ نهاية عام 2021م وحتى عام 2022م، حيث بلغ إجمالي دعم الوقود في عام 2022م ما يعادل 27% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (252.83 مليار دولار أمريكي).

ويشكل الدعم الضمني ما نسبته 48.8% من إجمالي الدعم، في حين يشكل الدعم الصريح 51.2% من إجمالي الدعم. وقد شهد مبلغ الدعم عام 2022م قفزة كبيرة من 4630 دولارا أمريكيا للفرد في عام 2021م إلى 6996 دولارا أمريكيا للفرد في عام 2022م، مدفوعا بارتفاع أسعار النفط في أعقاب أزمة أوروبا الشرقية. وفي حين يظل الدعم الحكومي الضمني مستقراً إلى حد كبير بمرور الوقت (لأنه يعتمد على الأضرار البيئية)، يتسم الدعم الصريح بأنه متقلب للغاية، لأنه يعتمد إلى حد كبير على أسعار تصدير النفط والغاز. ونظراً لتوقعات انخفاض أسعار النفط في المستقبل، فمن المتوقع أن يتضاءل الدعم الحكومي الصريح.

وبدلا من استخدام سعر تصدير الوقود بوصفه تكلفة العرض، من الممكن في حالة المملكة العربية السعودية استخدام سعر التعادل المالي للنفط أو تكلفة إنتاج النفط، وذلك نظرا لأن ثمة طاقة إنتاجية غير مستغلة. فلو افترضنا أن تكلفة الإنتاج تبلغ 10 دولارات أمريكية لبرميل النفط الخام، فهذا يعني أنها تعادل عند تحويلها إلى تكلفة اللتر الواحد 0.063 دولار أمريكي لإنتاج اللتر الواحد من النفط، أي ما يعادل بالعملة المحلية في المملكة العربية السعودية 0.24 ريال سعودي للتر. وهذا يعني أن التكلفة أقل بكثير من أسعار ضخ النفط في المملكة، وبالتالي يمكن القول بأن المملكة العربية السعودية لا تتكبد أي تكلفة فرصة بديلة (خسارة اقتصادية) عند بيع النفط محليا على أساس تكاليف الإنتاج.

بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن جزءا كبيرا من الدعم الحكومي مخصص للغاز الطبيعي (70 مليار دولار أمريكي)، والمواد النفطية الأخرى (66 مليار دولار أمريكي)، والكهرباء (9 مليار دولار أمريكي) (الجدول 2). وإذا افترضنا أن دعم الوقود والكهرباء يعود بالفائدة على الأسرة، فإن نصيب الفرد داخل الأسرة من الدعم الحكومي الصريح يصل إلى 2611 دولارا أمريكيا في هذه المكونات. وأخيرا، فإن تكلفة الفرصة البديلة التي حددها صندوق النقد الدولي تعتمد على السوق بشكل بحت، وقد لا تأخذ بعين الاعتبار تكلفة الفرصة البديلة الاجتماعية الناجمة عن رفع أسعار مضخات الوقود، وغيرها من الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية التي قد تنشأ عن التضخم الناجم عن الطاقة.


الجدول 2: توزيع الدعم الحكومي – المملكة العربية السعودية، 2022م

وحدةمنتجصريحضمنيالمجموع٪ من الناتج المحلي الإجماليللفرد
الغازولينمليار دولار امريكيNA1041515.41,402
الديزلمليار دولار امريكيNA2232545.81,495
الكيروسينمليار دولار امريكيNA2120.258
الغاز النفطي المسالمليار دولار امريكيNA1020.244
المواد النفطية الأخرىمليار دولار امريكي03134667.01,818
الغاز الطبيعيمليار دولار امريكي05416707.41,925
الفحممليار دولار امريكي00000.00
الكهرباءمليار دولار امريكي09091.0255
المجموعمليار دولار امريكي012912425327.06,996
المصدر: نموذج دعم الطاقة الصادر عن صندوق النقد الدولي، يوليو/تموز 2023م

الخاتمة
شرعت المملكة العربية السعودية في تنفيذ أجندة إصلاح تحويلية طموحة لتغيير توجهات نموها من قيادة القطاع العام إلى قيادة القطاع الخاص منذ إطلاق رؤيتها لعام 2030م، ويعد التحول نحو النمو الأخضر والمرن والمستدام هدفا رئيسا للرؤية. وقد أدت المبادرات قيد التنفيذ إلى تحسين الحد الأدنى من معايير أداء الطاقة واستهلاكها في المملكة، ومن المتوقع أن يزداد توليد الطاقة المتجددة بشكل كبير. وبصورة مماثلة، انخفض الدعم الحكومي للطاقة منذ عام 2017م في أعقاب إطلاق رؤية 2030م. وبالتالي، يمكن القول بأن المملكة العربية السعودية قد لا تتحمل تكلفة الفرصة البديلة للبيع محليا لأن أسعار المستهلك لديها تغطي تكاليف الإنتاج وليس تكاليف العرض (سعر التصدير)، وبالتالي فإنه ليس ثمة دعم حقيقي للمنتجات المرتبطة بالنفط الخام.

ترجمة: د. محمود بكري


المدونون
Finance and Economics
توسع مجموعة البريكس والديناميكيات المتغيرة في الاقتصاد العالمي

Finance and Economics
فتح الأبواب أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى أسواق رأس المال من خلال صندوق تعزيز الصكوك

Finance and Economics
أهمية تبني التقنيات المالية الرقمية في مصر

Finance and Economics
تغيير نموذج النظام المالي العالمي

Finance and Economics
الأزمات العالمية وردود فعل البنك المركزي وانعكاس منحنى العائد

Check More Blogs From Bukhari Sillah

03 Dec, 2023 -Islamic Finance
Bukhari Sillah | مقال بالعربي
القضاء على الجوع في أفريقيا: متابعة إعلان مابوتو في الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية

بخاري سيلا، محمد القوصي، نوفيا بودي باروانتو مقدمةفي عام 2003م، أعلنت الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي التزامها بالقضاء على الجوع...

قراءة المزيد
13 Nov, 2023 -Islamic Finance
Bukhari Sillah | English Article
Ending Hunger in Africa: Tracking Maputo Declaration in IsDB SSA Member Countries

Introduction In 2003, African Union Member Countries committed themselves to ending hunger in Africa by 2025, later known as the...

Read
19 Oct, 2023 -Finance and Economics
Bukhari Sillah | English Article
Rationalizing Energy Consumption in Saudi Arabia towards an Energy-efficient, Green Economy

Introduction On 28th August 2023, a Bloomberg article reported that energy subsidies in Saudi Arabia amounted to US$7,000 per capita...

Read