فتح الأبواب أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى أسواق رأس المال من خلال صندوق تعزيز الصكوك



18 Sep, 2023

تضطلع الشركات ذات الأحجام الصغيرة والمتوسطة بدور حيوي في تعزيز النمو الاقتصادي، حيث تشكل 90% من الأعمال، وتتيح ما بين 60 إلى 70% من فرص العمل، وتساهم بنسبة 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (البنك الدولي). وتمثل هذه الشركات العمود الفقري للمجتمعات في جميع أنحاء العالم بدعمها سبل العيش، ولا سيما لدى العاملين من الفقراء والنساء والشباب والفئات الضعيفة. ومن خلال الدعم المناسب، فإنها تتمتع بإمكانات لإحداث نقلة في الاقتصادات، وزيادة فرص العمل، وتعزيز النمو الاقتصادي العادل.

ووفقا لمؤسسة التمويل الدولية، فإن ما يقرب من 65 مليون من الأعمال في البلدان النامية – التي تمثل ما يعادل 40٪ من الشركات الصغيرة والمتوسطة الرسمية – تحتاج إلى تمويل إضافي بقيمة 5.2 تريليون دولار أمريكي سنويا (البنك الدولي)، وهو ما يعادل 1,4 ضِعف الإقراض العالمي الحالي للشركات الصغيرة والمتوسطة. ويتطلب سد هذه الفجوة التمويلية تحسين المنظومة واستحداث أدوات مبتكرة لتسهيل التمويل، إذ تحتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى تيسير وصولها إلى أسواق رأس المال، واستكشاف طرق جديدة للحصول على التمويل والحفاظ على النمو. ويهدف مقترح “صندوق تعزيز الصكوك” الذي طرحه باحثون من معهد البنك الإسلامي للتنمية إلى مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الوصول إلى أسواق رأس المال لتحقيق النمو المستدام والمرونة المالية.


هيكل “صندوق تعزيز الصكوك”

يعد “صندوق تعزيز الصكوك” بمثابة آلية لتخفيف المخاطر من خلال المساهمات المتبادلة بين مُصدري الصكوك بإنشاء صندوق من الأموال المجمعة. ويعمل الصندوق على مبدأ الدعم المتبادل، حيث يقوم الأعضاء بتقديم مساهمات منتظمة، ومن ثم تعويض من يتكبدون الخسائر. ولا يعتمد الصندوق على ضمانات خارجية نظراً لكفاية مساهمات الأعضاء في تلبية متطلبات الحماية. ويقوم الصندوق، بهدف الحد من المخاطر، بتكوين الأموال المجمعة من خلال جمع المساهمات من مُصدري الصكوك، مما يسمح بالسداد الجزئي لحاملي الصكوك في حالة حدوث ضائقة أو تخلف عن السداد لإحدى إصدارات الصكوك. وعلاوة على ذلك، يستخدم الصندوق الأموال المتراكمة لتعويض حاملي الصكوك المتضررين من التخلف عن السداد أو التأخير في السداد دون الاعتماد على ضمانات خارجية أو تغطية تأمينية خارجية. ويتمتع الصندوق بمرونة تستوعب جهات الإصدار المختلفة، بدءاً من الكيانات السيادية والشركات الكبيرة وحتى الشركات الصغيرة والمتوسطة. وقد أجريت عمليات تقييم ومحاكاة رياضية واسعة النطاق لضمان التطبيق العملي وجدوى النموذج، كما خضع الصندوق لتدقيق شامل لتقييم قدرته على تحمل سيناريوهات التخلف عن السداد المحتملة وظروف السوق المختلفة وقدرته على مقاومتها بكل مرونة. (للمزيد من التفاصيل حول صندوق تعزيز الصكوك يرجى الاطلاع على التقرير السنوي لمعهد البنك الإسلامي للتنمية لعام 2022).


تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال صندوق تعزيز الصكوك

يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة الاستفادة من صندوق تعزيز الصكوك من عدة أوجه. أولاً، أن الصندوق يُحسّن وضعية المخاطر عند إصدار الصكوك، مما يجعل الصندوق أفضل الخيارات وأسهلها بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني من قيود مالية، حيث إن الشركات الصغيرة والمتوسطة تواجه في كثير من الأحيان صعوبات في الوصول إلى أسواق رأس المال بسبب حجمها ومواردها المالية المحدودة. بيد أنه من خلال الاستفادة من صندوق تعزيز الصكوك، ستكون الشركات الصغيرة والمتوسطة في وضع أفضل من حيث استيفاء الشروط والأحكام للوصول إلى رأس المال الذي لم يكن متاحًا لها في السابق، ومن ثم تتأتى لها فرص جديدة لتمويل المشاريع وخطط التوسع.

ثانياً، أن الصندوق يخفف مخاطر الشركات الصغيرة والمتوسطة بتوفير حماية جزئية لحاملي الصكوك من خلال المساهمات المجمعة من أعضائه. وتعمل هذه الآلية على تقليل المخاطر المرتبطة باستثمارات الصكوك، ومن ثم جذب المستثمرين وتعزيز ثقتهم. كما يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة – التي تُصدر الصكوك من خلال صندوق تعزيز الصكوك – أن تستفيد من قاعدة أوسع من المستثمرين، مما يزيد من فرصها في الحصول على التمويل.

ثالثاً، أن الانضمام إلى الصندوق يعزز مصداقية وسمعة الشركات الصغيرة والمتوسطة في السوق. وسوف تكون الآلية التي يعمل بها الصندوق ضمانة للمستثمرين نظراً لأن الصندوق يعوض حاملي الصكوك في حالة تخلف المصدرين عن السداد أو تأخرهم. وهذه العلاقة المتطورة بين المستثمرين والمقرضين يمكن أن تسهل للشركات الصغيرة والمتوسطة الفرص المستقبلية للوصول إلى التمويل والشراكات التجارية.

وعلاوة على ذلك، يشجع صندوق تعزيز الصكوك استخدام هياكل الصكوك القائمة على الأداء، التي توائم بين المصالح المالية للمستثمرين ونجاح أعمال الشركات الصغيرة والمتوسطة. وإذا كان أداء تلك الأعمال جيداً، فسوف تعود الفائدة على الشركات وحاملي الصكوك، ومن ثم يحفز ذلك المستثمرين على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما أن إصدارات الصكوك القائمة على الأداء من شأنها أن تجذب المزيد من خيارات التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة.

وأخيراً، فإن الانضمام إلى صندوق تعزيز الصكوك يوفر للشركات الصغيرة والمتوسطة فرصاً للتواصل والحصول على الدعم من أعضاء الصندوق الآخرين. كما يمكن أن يؤدي التفاعل مع مختلف المصدرين والمستثمرين والخبراء الماليين داخل منظومة الصندوق إلى إنشاء الشراكات وتبادل المعرفة، مما يدعم نمو وتطور الشركات الصغيرة والمتوسطة.


التحديات التي تواجه تنفيذ صندوق تعزيز الصكوك

يقدم صندوق تعزيز الصكوك فوائد كبيرة للشركات الصغيرة والمتوسطة، ولكن يكتنف تنفيذه أيضاً بعض التحديات المحتملة، ومنها: الفهم القاصر والمعرفة المحدودة لهياكل الصكوك وصندوق تعزيز الصكوك، واختلاف الأطر التنظيمية عبر مختلف الدول، والحاجة إلى بناء القدرات لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات المالية والهيئات التنظيمية. وتعد جهود التثقيف والتوعية ضرورية لمواجهة هذه التحديات من أجل ضمان فهم الشركات الصغيرة والمتوسطة لفوائد استخدام صندوق تعزيز الصكوك ومتطلباته. كما أنه من الأهمية بمكان مواءمة اللوائح والأطر القانونية المتعلقة بإصدار الصكوك بحيث يمكن أن تساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة على الالتزام بالمتطلبات القانونية اللازمة. وأخيراً، فإن بناء القدرات اللازمة من خلال البرامج والموارد التدريبية من شأنه أن يسهل تنفيذ صندوق تعزيز الصكوك بشكل فعال.


الخاتمة

إن تحفيز صندوق تعزيز الصكوك لتلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة في الوصول إلى أسواق رأس المال سيعيننا على تمكين هذه الشركات للتغلب على القيود المالية وتوسيع عملياتها وتحقيق النمو المستدام. وفي ظل سعي الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية لمواجهة التحديات المتمثلة في ارتفاع مستويات الديون، يبرز صندوق تعزيز الصكوك بصفته أداة نفيسة لتعزيز الاستقرار والمرونة المالية، وخاصة لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة. ومن خلال تبني صندوق تعزيز الصكوك والاستفادة من مزاياه، ستستطيع الشركات الصغيرة والمتوسطة أن تخطو خطوات واثقة في الساحة التمويلية، مما يضمن نجاحها على المدى الطويل ومساهمتها في النمو الاقتصادي الشامل لبلدانها.

ومع ذلك، فإن من الأهمية بمكان معالجة التحديات المحتملة لتنفيذ صندوق تعزيز الصكوك. ويمكن التغلب على هذه التحديات من خلال رفع مستوى التوعية، وتحسين البيئة التنظيمية، وبناء القدرات اللازمة، بحيث تعين الشركات الصغيرة والمتوسطة على الاستفادة من الصندوق الاستفادة القصوى. ومن خلال الدعم والموارد المناسبة، يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة أن تستفيد من إمكانات الصندوق وتفتح أمامها أبواب أسواق رأس المال، مما يدفع عجلة النمو المستدام والمرونة المالية.


شكر وتقدير: يتوجه المؤلف بوافر الشكر والعرفان للدكتور سامي السويلم والدكتور هيلمون إزهار على اقتراحاتهم القيمة التي أثرت المقال.


المدونون
COVID-19
تحديات استدامة الديون في الدول الأعضاء بالبنك الإسلامي للتنمية وسط تشديد شروط التمويل العالمية

COVID-19
الأزمة المصرفية الأمريكية ومخاطر العدوى العالمية

COVID-19
الحافز المنحرف: تلك الكوبرا التي تلدغ التنمية

COVID-19
توطيد بريكس يحدث تحولا في المشهد الاقتصادي والتنموي العالمي

COVID-19
تأثير الأزمات العالمية على الفقر: القياس والاتجاهات والتحديات

Check More Blogs From Turkhan Ali Abdul Manap

13 Sep, 2023 -Economics and Finance
Turkhan Ali Abdul Manap | English Article
Unlocking the Access of SMEs to Capital Markets through Sukuk Enhancement Fund

Introduction Small and medium-sized enterprises (SMEs) are vital in promoting economic growth, accounting for 90% of businesses, providing 60 to...

Read