توطيد بريكس يحدث تحولا في المشهد الاقتصادي والتنموي العالمي

موسى جيقا إبراهيم

05 Apr, 2023

مقدمة

“بريك” أو بالإنجليزية (BRIC) هو لفظ مختصر للحروف الأولى من البرازيل وروسيا والهند والصين، صاغه جيم أونيل في عام 2001م، كبير الاقتصاديين آنذاك في غولدمان ساكس، ليعكس التأثير المشترك والمتزايد لهذه البلدان الأربعة في الاقتصاد العالمي المعاصر؛ ذلك أنه من المتوقع أن تحقق هذه المجموعة الهيمنة المطلقة على الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050م. وقد أدت هذه التسمية إلى زيادة الوعي العالمي، مما دفع تلك الدول إلى تشكيل مجموعة رسمية خلال قمة افتتاحية عقدت في 15-16 يونيو 2009م، في مدينة يكاترينبرج في روسيا.

وقد ناقشت القمة القضايا الاقتصادية العالمية وأكدت تصميم دول البريك على ترسيخ نفوذها في الاقتصاد العالمي. وفي عام 2010م، انضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة ليتغير الاختصار إلى “بريكس”. ومنذ ذلك الحين، عقدت دول البريكس قمماً منتظمة، كان آخرها القمة الرابعة عشرة التي عقدت بتاريخ 23 يونيو 2022م واستضافتها الصين.

وعلى الرغم من أن الدول الخمس تتباين في نقاط القوة الاقتصادية، إلا أنها أثبتت أنه من الممكن تحقيق تطلعاتها المشتركة من خلال تكثيف سياساتها الاستثمارية والتجارية ذات المنفعة المتبادلة. ذلك أن لكل منها ميزة إستراتيجية نسبية؛ وهو الأمر الذي إذا تم تسخيره بشكل فعال يمكنه أن يعزز مكاسبها الجماعية من خلال التعاون والتحالف الإستراتيجي. فالصين لديها رأس المال، والبرازيل وروسيا لديهما الموارد الطبيعية، ولكل من الصين والهند أسواق كبيرة وإنتاج صناعي يدفعه التقدم التكنولوجي والابتكار.

ومنذ إنشائها، عقدت مجموعة بريكس أكثر من 60 حدثا مهما في مجالات رئيسة أسفرت عن آثار إيجابية، مثل: الحوكمة العالمية، والوقاية من الأوبئة ومكافحتها، والاقتصاد الرقمي، والتنمية المستدامة، والتبادلات بين الأفراد والتبادلات الثقافية. وتسعى المجموعة للتوسع بتأسيس “بريكس بلس” من خلال دعوة المزيد من الدول للانضمام، إذ تشير التكهنات إلى أن إيران والأرجنتين تقدمتا بطلب للانضمام بالفعل، بينما تشير التقارير إلى رغبة كل من المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر في التعبير عن اهتمامها بالانضمام.


المبادئ وجدول أعمال الشراكة الإستراتيجية

من الجدير بالذكر أنه ليس لدول البريكس منظور متقارب حول القضايا الاقتصادية العالمية نظراً لاختلاف أولوياتها الإستراتيجية. فعلى سبيل المثال، كانت روسيا أكثر اهتماما بالحاجة إلى تقليل هيمنة الدولار الأمريكي بصفتها عملة احتياطية دولية خلال القمة الأولى في عام 2009م، بينما حبّذت الصين، التي كانت تحتفظ بسندات بالدولار الأمريكي الفكرة على المدى الطويل فقط. وقد أدى ذلك إلى قرار التنويع باقتناء سندات صندوق النقد الدولي وترويج كل دولة لعملات دول المجموعة. ومن ثم، فقد تمحورت قائمة البيانات (القرارات) الطويلة منذ القمة الأولى حول المبادئ الأساسية والأهداف وجدول أعمال الشراكة، بالإضافة إلى التركيز بشكل أساسي على المصلحة الاقتصادية المشتركة بهدف إعادة تشكيل النظام الاقتصادي والمالي العالمي لزيادة حصة البلدان النامية. ويمكن تلخيص البيانات في ثلاثة محاور أساسية على النحو التالي:

  • السعي إلى إرساء نظام عالمي متعدد الأقطاب يعتمد على التمثيل العادل والمتوازن للبلدان في المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية.
  • تنويع احتياطياتها بالتحول من سندات الخزانة الأمريكية إلى سندات صندوق النقد الدولي.
  • تعزيز العملات الإقليمية، بما في ذلك استثمار كل دولة جزءاً من احتياطياتها في عملات دول المجموعة لتقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي.

وبناء على هذه التصريحات الأولية، قويت شوكة دول البريكس بإحراز بعض النجاحات في تأكيد نفوذها وتأثيرها على المشهد الاقتصادي والمالي العالمي. وهكذا، فإنه على الرغم من أولوياتها المتباينة فيما يتعلق بالنظام العالمي، فقد بذلت جهودا من خلال مؤتمرات القمة المنتظمة والآليات الأخرى من قبيل مجموعات العمل والاجتماعات الوزارية من أجل التوافق بشأن الأهداف والأولويات الإستراتيجية الحاسمة.

ومن هذا المنطلق، اعتمدت المجموعة في عام 2020م إستراتيجية الشراكة الاقتصادية 2025 لمجموعة بريكس التي ترتكز على: (1) تعزيز التجارة لدعم الأنشطة الاستثمارية مع توفير الخدمات المالية المطلوبة؛ (2) الاستفادة من فرص الاقتصاد الرقمي بتنفيذ السياسات والإستراتيجيات لتحقيق التحول الرقمي بغية تحقيق النمو الصناعي من خلال الابتكار والتقدم التكنولوجي؛ (3) السعي لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تنفيذ تدابير التخفيف والتكيف مع تغير المناخ والاستثمار في الطاقة والبنية التحتية وتنمية الموارد البشرية، وغيرها من الإسهامات.

أدركت مجموعة البريكس أن أحد أركان التعاون هو تعزيز التواصل من أجل تعزيز القدرة التنافسية والتأثير الإيجابي داخل المجموعة، ولذلك فإنها تسعى إلى تعزيز الروابط المادية والتعاون المؤسسي والتبادلات بين الأفراد.

تزايد النفوذ العالمي لدول البريكس تبلغ مساحة اليابسة لدول البريكس على الصعيد العالمي حوالي 30% من مساحة اليابسة، ويشكل سكانها 41% من سكان العالم. وقد زادت حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 16% في عام 2000م إلى 22% في عام 2008م، وإلى 24.42% في عام 2022م مع تقدير إجمالي الناتج المحلي الاسمي بنحو 16.04 تريليون دولار أمريكي. وعلاوة على ذلك، تقدر حصة المجموعة من التجارة العالمية بـ 18% وبحوالي 5 تريليون دولار أمريكي (43%) من الاحتياطيات الأجنبية العالمية.

المصدر: حسابات المؤلف بناء على بيانات من مصادر مختلفة

وخلال القمة الحادية عشرة في البرازيل في عام 2014م، أنشأت مجموعة البريكس بنك التنمية الجديد (New Development Bank – NDB) ونظام الاحتياطيات الطارئة (Contingent Reserve Arrangement – CRA). وكان لتأسيس هاتين المؤسستين دلالة بعيدة المدى من حيث كونها بدائل للأنظمة العالمية المماثلة الحالية، ومن حيث مساعدتها على تسريع النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والاقتصادي لدول البريكس. فعلى سبيل المثال، وافق بنك التنمية الجديد خلال السنوات الخمس الماضية على 70 مشروعا للبنية التحتية والتنمية المستدامة بقيمة 25.07 مليار دولار أمريكي، بما في ذلك تسهيلات المساعدات في حالات الطوارئ من بنك التنمية الجديد لصالح مجموعة بريكس، حيث استفادت الهند من 18 مشروعا بقيمة 6.9 مليار دولار أمريكي.

وفي قمتها الثانية عشرة المنعقدة في عام 2020م واستضافتها روسيا، أضافت دول البريكس موضوعات الاستقرار العالمي والأمن المشترك والنمو المبتكر إلى قائمة أجندة أعمالها العالمية، الأمر الذي يشير إلى إصرارها المتزايد على التركيز على الشؤون العالمية. وأثناء جائحة كوفيد-19، استخدمت دول البريكس منصة التعاون التي أنشأتها لمساعدة بعضها في التخفيف من آثار الوباء. وأطلق رسمياً في الآونة الأخيرة مركز أبحاث وتطوير اللقاحات  التابع لمجموعة بريكس بتاريخ مارس 2022م. وتم تنظيم مسابقة بريكس للابتكار النسائي، التي استُحدثت في عام 2020م، وتكللت بالنجاح أيضا في عامي 2021م و2022م. كما تم إطلاق التحالف التعاوني في مجال التعليم والتدريب التقني والمهني (TVET) في أبريل 2022م، حيث انضمت أكثر من 60 مدرسة مهنية من دول البريكس وعدة آلاف من المتسابقين الذين اشتركوا في مسابقة مهارات بريكس 2022م.

وفي سياق إستراتيجياتها لتوحيد مواقفها تجاه الشؤون الدولية، وافقت دول البريكس على زيادة التعاون مع غيرها من الأسواق الناشئة والبلدان النامية (EMDCs) لرفع مستوى تمثيل المجموعة وتأثيرها في القضايا الدولية والإقليمية الرئيسة من أجل تعزيز المصلحة المشتركة بين دول البريكس وغيرها من الأسواق الناشئة والدول النامية. وعلاوة على ذلك، توصلت مجموعة البريكس إلى إجماع في يتعلق بتوسع مزمع إلى “بريكس بلس” من خلال قبول المزيد من الدول التي تشاطرها الرأي.


الآثار المترتبة على المشهد الاقتصادي والتنموي العالمي

يعكس ظهور دول البريكس ديناميكيات المشهد الاقتصادي والتنموي العالمي المتطور. فقد سعت من خلال اتخاذ خطوات لإنشاء بنك التنمية الجديد ومؤسسات أخرى، ومن خلال بناء جسور التعاون مع بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية، بل ودعوة البلدان التي تشاطرها الرأي إلى “بريكس بلس”، سعت من خلال كل ذلك إلى توفير بدائل فيما يتعلق بالمساعدة الإنمائية العالمية باستخدام مبادئ وسياسات مختلفة.

كما استحدثت دول البريكس حدودا جديدة تقلل من تركيز قرارات السياسات الاقتصادية العالمية لتظهر بوصفها عامل استقرار في القضايا الدولية والإقليمية من أجل المساعدة في تحسين الإنصاف والعدالة في نظام التنمية الدولي.

وفي أثناء الصدمات الكبرى للاقتصاد العالمي، قامت دول البريكس من خلال التنسيق الفعال بحماية استقرار السوق العالمية. فعلى سبيل المثال، وافقت مجموعة البريكس في أبريل 2020م على تخصيص مبلغ مشترك قدره 15 مليار دولار أمريكي لمكافحة جائحة كوفيد-19، وكذلك وافق بنك التنمية الجديد على مشروع بقيمة مليار دولار أمريكي لصالح الهند من أجل مكافحة كوفيد-19.

وفي إطار سعيها إلى تحسين الحوكمة الاقتصادية العالمية من خلال تعزيز مؤسسات دولية متعددة الأطراف أكثر توازنا، مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها، تحظى دول البريكس بدعم معظم العالم النامي التي يحدوه الأمل بأن تؤدي هذه الجهود إلى عولمة اقتصادية أكثر انفتاحا وشمولية وتوازنا تعود بالفائدة على الجميع. وفي هذا السياق، أصبحت بريكس آلية مهمة للتعاون بين الأسواق الناشئة والبلدان النامية، ومنصة رئيسة للتعاون بين بلدان الجنوب.

ويتمثل التحدي الرئيس الذي تواجهه مجموعة البريكس في المضي قدما في جدول أعمال إستراتيجي عالمي قابل للتطبيق في ظل الوضع العالمي الراهن، خاصة وأن بعض أعضائها هم أيضا أعضاء في تكتلات أخرى يسعى جدول أعمال البريكس إلى توفير بدائل لها. فعلى سبيل المثال، فإن جميع دول البريكس أعضاء في مجموعة العشرين وتنتمي إلى منظمات عالمية أخرى تتخذ قرارات بشأن القضايا الاقتصادية والسياسية العالمية، مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي والأمم المتحدة، وكذلك المنظمات الإقليمية التي تعتبر ذات ميزة فريدة لمختلف دول البريكس كبنك التنمية الآسيوي وبنك التنمية الأفريقي وغيرها. ولذلك تحتاج دول البريكس إلى متابعة جدول أعمالها مع إيلاء الاعتبار الواجب للقرارات والاتفاقيات مع هذه المنظمات. ومن التحديات أيضاً إدارة رد الفعل العكسي المحتمل من مجموعات أخرى مثل الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع. فعلى الرغم من مزايا مجموعة البريكس العالمية الإستراتيجية، إلا أن بعض الدول مرتبط بشكل كبير مع دول مجموعة السبع في ميادين التجارة والاستثمارات، ومن ثم فإنها تحتاج إلى تجنب الإجراءات الانتقامية التي قد تكون ضارة باقتصاداتها.

ترجمة د. محمود بكري


المدونون
COVID-19
تحديات استدامة الديون في الدول الأعضاء بالبنك الإسلامي للتنمية وسط تشديد شروط التمويل العالمية

COVID-19
الأزمة المصرفية الأمريكية ومخاطر العدوى العالمية

COVID-19
الحافز المنحرف: تلك الكوبرا التي تلدغ التنمية

COVID-19
تأثير الأزمات العالمية على الفقر: القياس والاتجاهات والتحديات

COVID-19
A Paradigm Change for the Global Financial System

Check More Blogs From Musa Jega Ibrahim

22 Mar, 2023 -Islamic Finance
Musa Jega Ibrahim | English Article
BRICS Consolidation Transforming Global Economic and Development Landscape

Introduction BRIC is an acronym for Brazil, Russia, India, and China that was coined in 2001 by Jim O’Neill, the...

Read