توسع مجموعة البريكس والديناميكيات المتغيرة في الاقتصاد العالمي

إسماعيل نايا, محمد زولخبيري

04 Oct, 2023

خلال اجتماع قمة مجموعة البريكس المنعقدة في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا بتاريخ 24 أغسطس 2023م، جاء إعلان المجموعة بقبولها ستة أعضاء جدد في وقت تحاول فيه كافة الدول في جميع أنحاء العالم التعامل مع المشهد الجيوسياسي المتغير الذي يتحدى هيمنة الغرب. وسعياً منها نحو مزيد من النفوذ السياسي والاقتصادي في النظام العالمي، ستنضم إيران والمملكة العربية السعودية ومصر والأرجنتين والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا إلى الأعضاء الخمسة الحاليين في مجموعة البريكس بصفتهم أعضاءً جدداً اعتباراً من 1 يناير 2024م.

تقوم الشراكة – المبنية على أواصر الصداقة والتضامن والمصالح المشتركة – على ثلاث ركائز، هي: (1) التعاون السياسي والأمني، و(2) التعاون المالي والاقتصادي، و(3) التعاون الثقافي والشعبي.

ومن أبرز الإنجازات التي حققتها مجموعة البريكس إنشاء بنك التنمية الجديد في عام 2015م، ثم إنشاء احتياطي الطوارئ لمجموعة البريكس في عام 2014م ليكون بمثابة إجراء يوفر شبكة أمان مالية للدول الأعضاء أثناء الأزمات. وحتى اللحظة تم توقيع أكثر من 30 اتفاقية ومذكرة تفاهم كي تمثل أساساً قانونياً للتعاون في كل من مجالات الجمارك والضرائب والتعاون بين البنوك والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والابتكار والبحوث الزراعية وكفاءة الطاقة وسياسات المنافسة والأكاديميات الدبلوماسية.

وقد عززت مجموعة البريكس الموسَّعة من نفوذ المجموعة في المشهد الجيوسياسي والاقتصادي العالمي، إذ باتت تضم أكثر من 3,7 مليار شخص، أي ما يمثل 46% من سكان العالم. وعلى الرغم من أن انضمام هؤلاء الأعضاء الستة الجدد أدى إلى ارتفاع هامشي على الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لمجموعة البريكس الجديدة، بحيث زادت حصتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 26% إلى 29% في عام 2022م، إلا أنها تمثل 37% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على أساس مقياس تكافؤ القوة الشرائية، متجاوزةً بذلك مجموعة السبع التي تمثل 31٪ وفقاً لإحصاءات عام 2022م. كما شهدت حصة مجموعة البريكس الجديدة من التجارة العالمية في السلع توسعاً متواضعاً، بحيث نمت من 18٪ إلى 21٪ في عام 2022م.

ويتوزع الأعضاء الجدد عبر ثلاث قارات؛ فالأرجنتين من أمريكا الجنوبية، ومصر وإثيوبيا من أفريقيا، والمملكة العربية السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة من آسيا. وقد أدى هذا التوسع في مجموعة البريكس إلى تجاوز أعضائها مجتمعين مجموعة السبع من حيث الناتج المحلي الإجمالي العالمي (بمقياس تكافؤ القوة الشرائية)، وعدد السكان، والحصة الإجمالية من الصادرات، ناهيك أنها باتت تسيطر على نحو 42% من إنتاج النفط العالمي. وهذا يؤكد على القوة المتنامية للمجموعة ومدى انتشارها الذي سيمكنها من التأثير بإدخال الإصلاحات على المؤسسات المالية الدولية، كما سيمكنها من أن تكون بمثابة قوة مكافئة أمام الهيمنة الغربية.

ويهدف توسع مجموعة البريكس إلى إضفاء التنوع على هيكل السلطة في العالم، الذي أصبح متباينا بشكل متزايد في الآونة الأخيرة. وقد سلط الصراع في أوروبا الشرقية والعلاقات المعقدة بين الولايات المتحدة والصين بشأن المسائل الاقتصادية والأمنية الضوء على التباين المتزايد. ونظراً لهيمنة مؤسسات التمويل التنموية التي يسيطر عليها الغرب بشروطها الصارمة، لاقى إنشاء بنك التنمية الجديد مؤخراً ترحيباً لدى العديد من البلدان النامية التي تسعى إلى الحصول على مصادر ائتمانية بديلة. وشرع بنك التنمية الجديد بالفعل في تمويل حوالي 100 مشروع بقيمة 34 مليار دولار أمريكي في قطاعات البنية التحتية قبل حلول عام 2022م.

وفي أحدث تطورات هذا الشأن، أبدت الصين اهتمامها بانضمام تركيا إلى مجموعة البريكس الموسعة، التي سيكون لانضمامها المحتمل أهمية بالغة في تعزيز أرباحها التجارية بشكل كبير، إذ إنها تضطلع بالفعل بدور حاسم بصفتها شريكاً تجارياً رئيساً لأعضاء البريكس الحاليين كالصين وروسيا، والدول المنضمة حديثاً كإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن تركيا هي حلقة الوصل بين الشرق والغرب، وسيكون لانضمامها إلى كتلة البريكس الموسعة أهمية جيوسياسية قصوى.

وفي سياق بعيد عن تركيا، أعربت أكثر من 40 دولة، بما في ذلك العديد من الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية كالجزائر وإندونيسيا وجزر القمر ونيجيريا والجابون وكازاخستان، سواء بشكل رسمي أو غير رسمي عن اهتمامها بالانضمام إلى البريكس.

وفي الوقت نفسه قد يؤدي التوسع في مجموعة البريكس إلى تسريع الخطى نحو التخلص من هيمنة الدولار. وقد ناقش قادة البريكس خلال قمة 2023م سبل تعزيز استخدام عملاتهم الوطنية لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، الأمر الذي يمكن أن يسهم في تقليل مدى تأثر اقتصادات مجموعة البريكس بسطوة الدولار القوي، وبعدم القدرة على التنبؤ بتقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية. وعلاوة على ذلك، فقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تفاقم مخاوف دول المجموعة بشأن الديون المقومة بالدولار.

الدولار الأمريكي شكّل حوالي 88% من التجارة الدولية في عام 2022م، واستحوذ على حصة بلغت حوالي 59% من احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية للبنوك المركزية على مستوى العالم. ومن غير المستغرب أن يؤدي توسع مجموعة البريكس إلى تحفيز المزيد من استخدام العملات المحلية، مما يشكل تحديا محتملا لهيمنة الدولار الأمريكي على التمويل والتجارة العالميين. وفي حين يرى الكثيرون أن مجموعة البريكس تفتقر إلى الوحدة اللازمة لتقديم بديل للاقتصاد العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة ولهيمنة الدولار الأمريكي، فإن انضمام الدول الجديدة إلى المجموعة أدى بشكل فعال إلى زيادة تأثير كتلة البريكس الحالية على التجارة العالمية بنحو 16% مع استمرار اعتماد جزء كبير من هذه المعاملات على التبادل بالدولار الأمريكي.

وتعبيراً عن مخاوفهم إزاء الاستخدام واسع النطاق للدولار الأمريكي في التجارة العالمية، يعمل أعضاء البريكس بفعالية على تعزيز الاستخدام المتزايد لعملاتهم الوطنية في ممارسة التجارة، كما يعملون بالإضافة إلى ذلك على تأسيس نظام دفع موحد باعتباره جزءاً من أهداف المجموعة طويلة المدى. وعلى سبيل المثال، وقعت البرازيل والصين في وقت سابق من عام 2023م اتفاقية ثنائية لتسوية تبادلاتهما التجارية بالعملات المحلية، بينما اتفقت الهند والإمارات العربية المتحدة على تسوية التجارة بالروبية الهندية.

مجموعة البريكس الحالية شكّلت حوالي 20% من إنتاج النفط العالمي في عام 2022م، وسيرفع انضمام المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران حصة البريكس الجديد من إنتاج النفط الخام العالمي إلى حوالي 42%. ولذلك فإن اعتماد الدفع باليوان الصيني والروبية الهندية مقابل النفط الخام من الصين والهند يمكن أن يكون خطوة منطقية من المملكة العربية السعودية لكسر هيمنة الدولار العالمية. وقد قامت المملكة العربية السعودية، وهي أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، بتصدير ما يقرب من 7,3 مليون برميل يومياً في عام 2022م، أي ما يمثل حوالي 17٪ من صادرات النفط الخام العالمية، ومعظمها (76%) موجه نحو آسيا، وتذهب 35% من هذه الحصة إلى الصين والهند، وكلاهما عضو في مجموعة البريكس. وفي ظل سعي مجموعة البريكس إلى تقليل الاعتماد على الدولار، فإن هناك توقعات متزايدة بأن تتحول تجارة النفط الخام في المملكة العربية السعودية تدريجياً نحو عملات غير الدولار.

لقد أثبتت مجموعة البريكس بأنها تشكل تحدياً محتملاً للنظام العالمي الحالي، وعلى الرغم من ذلك يظل أمامها طريق طويل لتقطعه كي تتحول إلى منظمة دولية موحدة تستطيع تحدي النظام العالمي بشكل فعال، كما أنها تواجه تحديات كبيرة يمكن أن تعيق أدائها، إذ يمكن للنظم والأيديولوجيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتباينة بين الدول الأعضاء أن تعيق عملية صنع القرار وبناء التوافق. وعلاوة على ذلك، فقد يؤدي اختلاف مستويات التنمية والمصالح الاقتصادية إلى تضارب الأولويات بين الدول الأعضاء، مما قد يؤثر على تنفيذ القرارات والسياسات.

ترجمة: د. وجدان كنالي


المدونون
Finance and Economics
ترشيد استهلاك الطاقة في المملكة العربية السعودية: نحو اقتصاد أخضر موفر للطاقة

Finance and Economics
فتح الأبواب أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى أسواق رأس المال من خلال صندوق تعزيز الصكوك

Finance and Economics
أهمية تبني التقنيات المالية الرقمية في مصر

Finance and Economics
تغيير نموذج النظام المالي العالمي

Finance and Economics
الأزمات العالمية وردود فعل البنك المركزي وانعكاس منحنى العائد

Check More Blogs From Ismaeel Naiya

19 Sep, 2023 -Finance and Economics
Ismaeel Naiya | English Article
Expansion of BRICS and the Shifting Dynamics of the Global Economy

On 24 August 2023, during a summit in Johannesburg, South Africa, BRICS announced the admission of six new members. The...

Read