كوفيد-19: الحاجة إلى المرونة في تعليم التمويل الإسلامي في المملكة العربية السعودية

محمد عبدالتواب ابراهيم

14 Sep, 2020

بقلم: محمد عبد التواب إبراهيم
هذه المقالة مترجمة عن الإنجليزية لمدونة إلكترونية منشورة بعنوان
(Covid-19: Need for Agility in Islamic Finance Education in Saudi Arabia)

ترجمة: د. محمود بكري


المشاهد أن عالم التدريب والتعليم آخذ في التغيير بشكل متسارع، وأن وباء كوفيد-19 كان له تأثير غير مسبوق على زيادة وتيرة السرعة في المنظمات والأفراد والاقتصادات والمجتمعات. ومن ثم كان على الجامعات والمعاهد التعليمية ومقدمي الخدمات التعليمية الاستجابة لواقع جديد سريع التطور، فكان عليها التأقلم بتغيير طريقة ومكان عملها، بالإضافة إلى إعادة النظر في الخدمات التي تقدمها (CIPD, 2020).

لا شك أن قطاع التعليم والتدريب المهني يعيش لحظة فاصلة؛ فلقد شهد هذا القطاع تغييرات مهمة في العشرين عاما الماضية، لكن هذه التغييرات تظل ضئيلة مقارنة بما سيتبع جائحة كوفيد-19، فقد أصبحت التكنولوجيا أكثر تعقيدا، وقريبا سيستعمل الجميع تقنيات الذكاء الاصطناعي والتقانة المالية (Fintech) وسلسلة الكتل (Blockchain) والواقع الافتراضي (VR) بشكل يومي. 

لقد تغيرت ثقافة العمل جذريا من حيث مكان العمل نفسه وطبيعة الوظائف بشكل عام، إذ صار الناس يعملون عن بعد بسبب جائحة كوفيد-19، في حين صارت أنشطة التعلم الجماعي محدودة. ولم يعد التدريب والتعلم في الحقيقة مجرد نشاطين يمارسان لفترة محدودة، بل سيتحول كلاهما قريبا إلى فكرة “التعلم مدى الحياة” (مؤسسة AVADO التعليمية).

ومع توسع صناعة التمويل الإسلامي وتطورها طوال السنوات الماضية، أثار تعليم التمويل الإسلامي الكثير من الاهتمام الأكاديمي في جميع أنحاء العالم، وخاصة بعد الأزمة المالية لعام 2007 (Belouafi, Belabes & Trullols, 2012). وأضحى العديد من المسلمين وغير المسلمين على السواء يرغبون في معرفة المزيد عن التمويل الإسلامي، الذي ينظر إليه على أنه بديل أخلاقي للتمويل التقليدي. وتعمل المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال لا الحصر، على تعزيز دور التمويل الإسلامي في الاقتصاد، ويتجلى ذلك بوضوح عبر إنشائها سبع جامعات و25 مؤسسة تعليمية تقدم جميعها درجة تعليمية تخصصية في التمويل الإسلامي.

لقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن شغف الطلاب والعاملين في قطاع التمويل الإسلامي تجاه التعليم والتدريب عن بعد، خاصة بعد فرض إجراءات الإغلاق والحجر الصحي المنزلي، حيث دفع هذا الوضع بعض الجامعات والمؤسسات التعليمية في المملكة العربية السعودية، إن لم تكن كلها، إلى بذل جهود جبارة لمواصلة التعليم والتدريب عبر تقديم برامج تدريبية متنوعة من خلال منصات تعليمية عبر الإنترنت.

وفي هذا السياق، فإن هناك العديد من التساؤلات التي تتطلب الإجابة عنها. هل الجامعات والمعاهد التعليمية ومقدمو الخدمات التعليمية والشركات وحتى الطلاب أنفسهم جاهزون لمثل هذا التغيير الدراماتيكي؟ غالبا ما نفترض أن استخدام التقنيات الجديدة هو الطريق الصحيح نحو التقدم، ومع ذلك ينبغي التساؤل: هل ينعكس ذلك على رغبة الطلاب فيما يريدون أن يكون عليه طبيعة عملية التعليم والتدريب؟ وكيف يرى مقدمو خدمات التعلم التدريب مستقبل ما يقدمونه من البرامج التعليمية والدرجات العلمية والأنشطة التدريسية؟ وهل هم مستعدون للاستجابة لكل التغييرات التي حدثت حتى الآن في عالم التعليم والتدريب المهني نتيجة هذا الوباء؟

منذ صدور قرار تعليق الدراسة في الفصول في المملكة العربية السعودية في 8 مارس 2020، شرعت الجامعات في التعليم عبر الإنترنت وعن بعد، حيث قدمت أكثر من 1.421 مليون محاضرة وجلسة نقاش. وقد بلغت نسبة الحضور أكثر من 453 ألف طالب وطالبة منذ توقف الدراسة، وبلغ عدد الزيارات إلى الموارد التعليمية بوزارة التعليم أكثر من خمسة ملايين زيارة خلال الفترة نفسها، وفق ما أوردته صحيفة الرياض.

وتشمل بعض مبادرات وزارة التعليم السعودية التي عقبت تعليق الحضور في التعليم العام، على سبيل المثال، إطلاق نظام التعليم الموحد بالإضافة إلى بوابة التعليم الوطنية “عين” و”بوابة المستقبل”. كما أطلقت الوزارة منصات للتعليم الجامعي الحكومي والخاص، بالإضافة إلى تقديم العديد من الدورات التدريبية المجانية عن بعد تمنح شهادات معتمدة في مختلف المجالات.

يعتقد المسؤولون في الجامعات التي تقدم دورات في التمويل الإسلامي أن جائحة كوفيد-19 قد منحتهم رؤية أوضح حول مستقبل التعليم بعد الوباء، سواء من حيث المحتوى أو التقديم أو القبول. ويشير الدكتور عمر الصالح، عميد التعلم الإلكتروني والاتصالات بجامعة الملك سعود، في تقرير لصحيفة الرياض، إلى أنه في ضوء التجربة أثناء الوباء، أصبح من الضروري على الجامعات تغيير أسلوبها في التعلم والتركيز على التعلم الإلكتروني. كما يؤكد بشكل مماثل الدكتور سعد الودعاني، عميد التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد في جامعة القصيم، أن تجربة التعليم عن بعد خلال كوفيد-19 ستؤدي إلى تغييرات مهمة على مستوى التعليم أو العمل الإداري، وخاصة مع تحول التركيز إلى العمل عن بعد. إلى جانب ذلك يشير الدكتور وليد الجندل، عميد التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن التعلم الإلكتروني في هذه الفترة أكد على الحاجة إلى إعطاء دفعة أكبر للمعلمين والطلاب لإيلاء المزيد من الاهتمام لتطوير أدوات التعليم الذاتي.

وعلى الرغم من أن العديد من المعاهد التي تضطلع بتعليم التمويل الإسلامي في المملكة العربية السعودية قد قدمت برامج تدريبية ودورات عبر الإنترنت خلال فترة الوباء، فإن من الواضح أن الجمهور المستهدف من هذه المعاهد كان محدودا نسبيا اذ يقتصر فقط عل الطلاب والعاملين والمهتمين بالتمويل الإسلامي في السوق السعودية. 

ومن أبرز الأمثلة المثيرة للاهتمام كان المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب الذي يعد رائداً في أبحاث التمويل الإسلامي والتدريب، وهو عضو مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، التي يقع مقرها في المملكة العربية السعودية؛ إذ دأب المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب على تقديم دورات تدريبية في هذا المجال لما يقرب من أربعة عقود منذ إنشائه في عام 1981، وقد كان في العقود الثلاثة الأولى يقدم معظم الدورات التدريبية من خلال التدريب وجها لوجه، بينما يقدم بعضها الآخر من خلال تجربة التعلم عن بعد، وقد حققت هذه الدورات التدريبية حينئذ نجاحات رائدة في مجال الاقتصاد والتمويل الإسلامي. ومع ذلك، فإن الفرص تتزايد، بسبب التقدم السريع في التكنولوجيا، لاستخدام أحدث التقنيات من أجل الوصول إلى جمهور أوسع وتحقيق تأثير أكبر.

واستجابة للتكنولوجيات الناشئة، اتخذ المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب في عام 2015 خطوة رائدة لتطوير إتاحة المعرفة والتعليم في التمويل الإسلامي من خلال تقديم الدورات المفتوحة واسعة النطاق عبر الإنترنت في الاقتصاد والمصرفية والمالية الإسلامية، من خلال منصة (edX) الرائدة للتعلم عبر الإنترنت. واستجابة لتحديات الوضع الذي فرضه وباء كوفيد-19، قدم المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ثماني دورات مجانية عبر الإنترنت على منصة (Edx)، حيث أتيحت الدورات على المنصة ابتداءً من 15 أبريل وستظل حتى 31 ديسمبر 2020، وتتسم جميع الدورات الثماني بكونها ذات نسق ذاتي ملائم للمتعلم، بحيث تتيح له مرونة إكمال الوحدات في الوقت الذي يناسبه. ويعرض الشكل (1) الدورات وأعداد المسجلين:

الشكل 1: عدد المشاركين في دورات المعهد التدريبية على منصة (Edx)

التحق بالدورات أكثر من عشرة آلاف متعلم من 151 دولة (انظر الشكلين 1 و 2) في غضون شهرين فقط من إطلاق البرامج على منصة (Edx). وكان الالتحاق بالدورات التدريبية عبر الإنترنت هائلا مقارنة بأساليب التدريب التقليدية، ومن ثم يجيب هذا عن السؤال المذكور آنفا، وتؤكد تجربة المعهد في (الدورات المفتوحة واسعة النطاق عبر الإنترنت) أن الطلاب مستعدون لمثل هذا التغيير.

الشكل 2: توزيع نسبة التسجيل في (الدورات المفتوحة واسعة النطاق عبر الإنترنت) التي يقدمها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب في 151 دولة حول العالم.

الخلاصة:

في هذا العالم سريع التغير، بات ينبغي لتعليم التمويل الإسلامي أن يتطور لكي يصبح مرناً سهل المنال قابلا للتكيف. وعلاوة على ذلك، فإن التقنيات الناشئة كالواقع المعزز والافتراضي والذكاء الاصطناعي وحلول الأجهزة المحمولة ستتيح التعلم الخصوصي المستهدف الذي يرفع الأداء. وحيث إن تركيز الجامعات والمعاهد التعليمية ومقدمي خدمات التعلم وقادة الأعمال بات ينصب أكثر فأكثر على الإنتاجية وقابلية التكيف، فإن هذه المؤسسات بحاجة إلى أن تكون أكثر مرونة في الاستجابة وتقديم حلول التعلم التي تدعم هذه النتائج بشكل مباشر.

من الواضح أن وزارة التعليم والجامعات السعودية قد استثمرت بالفعل في البنية التحتية للتعلم عبر الإنترنت والتعلم عن بعد، وقد ساعد هذا بشكل كبير في الاستجابة لتحديات وباء كوفيد-19. ومع ذلك، فإن منصات التعلم المتمثلة في العروض والخدمات المقدمة ليست بعد بالقدر الكافي للتكيف مع الواقع الجديد. 

إن المرونة في العملية التعليمية وفي قيادة العمداء وأعضاء هيئة التدريس تعد من العوامل المهمة للغاية، فقد مكنتهم قابلية التكيف من الاستمرار في العملية التعليمية بسلاسة في جميع أرجاء البلاد، غير أن القوة القاهرة التي فرضتها ظروف الحظر الصحي والإغلاق ساعدت أيضا على التغيير.

وللمضي قدما، فإن الجامعات تحتاج إلى الاستثمار في التعلم وتطوير القوى العاملة لديها كي تحافظ على لياقتها في المستقبل في عالم تعليمي معقد وتنافسي، حيث يعد إنشاء بيئة داعمة للتعلم أمرا مهما من أجل ضمان تمتع الأساتذة والعمداء وأعضاء هيئة التدريس بالقدرات المناسبة للتكيف ومواجهة التحديات بطريقة سريعة وفعالة.

من ناحية أخرى، أظهرت برامج التمويل الإسلامي في الجامعات والمؤسسات التدريبية في المملكة العربية السعودية، بالمقارنة بالمجالات المعرفية الأخرى، درجة معتدلة من المرونة في الاستجابة لتحديات وباء كوفيد-19. ومع ذلك، فإن على هذه المؤسسات أن تتطور في فترة ما بعد الوباء، من خلال زيادة وتيرة التعلم عبر التقنيات الرقمية من ناحية إنشاء المحتوى المعرفي والعناية به والاستفادة منه.

وينبغي لهذه البرامج أيضا استخدام التكنولوجيا بشكل ملائم من أجل دعم المعلمين والمدربين والممارسين، إذ سيصبح الذكاء الاصطناعي (AI) والبلوكتشين (Blockchain) والفينتك (FinTech) بمثابة المعلّم المساعد في فصول المستقبل بالنسبة للمعلمين والمتعلمين، في خضم تعليم يسعى إلى بناء المهارات والقدرات والمعارف بطريقة ليس من السهل إنجازها.


المدونون
COVID-19
تحديات استدامة الديون في الدول الأعضاء بالبنك الإسلامي للتنمية وسط تشديد شروط التمويل العالمية

COVID-19
الأزمة المصرفية الأمريكية ومخاطر العدوى العالمية

COVID-19
الحافز المنحرف: تلك الكوبرا التي تلدغ التنمية

COVID-19
توطيد بريكس يحدث تحولا في المشهد الاقتصادي والتنموي العالمي

COVID-19
تأثير الأزمات العالمية على الفقر: القياس والاتجاهات والتحديات

Check More Blogs From Mohamed Abdeltawab Ibrahim

14 Jul, 2020 -COVID-19
Mohamed Abdeltawab Ibrahim | English Article
Covid-19: Need for Agility in Islamic Finance Education in Saudi Arabia

The world of learning and education is changing. The Covid-19 pandemic has had an unprecedented impact on organizations, individuals, economies...

Read